النمو الحسي لدى الأطفال

النمو الطبيعي للمهارات الحسية عند الأطفال

تعتبر المهارات الحسية من أبرز المهارات التي تساهم في التطور العام للطفل، وتؤثر بشكل مباشر في تفاعله مع العالم من حوله. يشمل النمو الحسي عند الأطفال القدرة على معالجة المعلومات التي يستقبلها الدماغ عبر الحواس الخمسة: البصر، السمع، اللمس، التذوق، والشم. هذه المهارات الحسية لا تتطور بشكل مفاجئ أو في وقت محدد، بل تتغير بشكل تدريجي من مرحلة إلى أخرى، حيث يتفاعل الطفل مع بيئته ويحسن من قدرته على تفسير المحفزات الحسية.

1. المهارات الحسية في الأشهر الأولى من الحياة

في الأشهر الأولى من الحياة، يكون الطفل في مرحلة حسية مبكرة حيث يبدأ في استكشاف العالم المحيط به باستخدام حواسه. في هذه الفترة، تنمو حواس الطفل بشكل سريع ومترابط. على سبيل المثال، يمكن للطفل الرضيع أن يميز الأصوات البسيطة مثل صوت الأم أو الأب منذ الأيام الأولى، كما يتمكن من تمييز الأضواء والظلال. ولكن، تظل قدراته الحسية في هذه المرحلة محدودة نسبياً، وتركز غالباً على إدراك المحفزات التي تقع بالقرب منه.

1.1 البصر

يبدأ الرضع في التركيز على الأشكال والألوان مع مرور الوقت. وفي الأشهر الستة الأولى، يكون الطفل قادراً على تمييز الألوان الأساسية، مثل الأحمر والأزرق. في بداية الأمر، يركز البصر فقط على الأشكال الواضحة والمسطحة، لكن مع تقدم الوقت، يبدأ في إدراك الأبعاد وملامح الوجوه بشكل أفضل.

1.2 السمع

يسمع الرضع الأصوات منذ الأسابيع الأولى بعد الولادة، ويبدأون في تمييز الأصوات المألوفة مثل صوت الأم أو الأب. يبدأ الطفل في إظهار استجابة عند سماع الأصوات من خلال التحرك أو تغيير تعابير وجهه. مع مرور الوقت، يصبح الطفل قادراً على التمييز بين الأصوات المختلفة، مثل صوت الموسيقى أو ضحك الآخرين.

1.3 اللمس

اللمس هو أول حاسة يطورها الطفل. يتفاعل الطفل مع المحفزات اللمسية من خلال زيادة الحركات أو التغيير في الوجوه. يلاحظ الرضع محيطهم من خلال اللمس، سواء كان ذلك لمس أيديهم أو جسمهم أو الأجسام الأخرى المحيطة بهم. تبدأ الاستجابات اللمسية في التطور عندما يبدأ الرضع في الشعور بمختلف الأقمشة والملمس.

1.4 التذوق والشم

يولد الأطفال مع القدرة على التذوق والشم، لكن هذه الحواس لا تكون قوية كما هي في المراحل اللاحقة من الحياة. يفضل الرضع طعماً حلوًا مثل حليب الأم، كما يمكنهم تمييز الروائح ولكن ليس بكفاءة الأطفال الأكبر سناً. تبدأ حواس التذوق والشم في التطور بمرور الوقت، مما يساعد الطفل في التفاعل بشكل أكبر مع البيئة المحيطة.

2. النمو الحسي في مرحلة ما بعد العام الأول

مع مرور السنة الأولى، يبدأ الطفل في تطور مهاراته الحسية بشكل أكثر وضوحاً، ويظهر تأثير هذه المهارات على سلوك الطفل. من الآن فصاعداً، يصبح الطفل قادراً على تمييز المحفزات بشكل أكبر، مما يسمح له بالتفاعل مع العالم المحيط بطريقة أكثر تعقيداً.

2.1 البصر

يبدأ الطفل في اكتساب مهارات بصرية أكثر تطوراً بعد سن العام الأول. يصبح قادراً على تمييز الألوان بشكل أفضل، كما يمكنه تتبع الأشياء المتحركة. في هذه المرحلة، يبدأ الطفل في القدرة على التمييز بين الأشكال المختلفة مثل الدوائر والمربعات، إضافة إلى أنه يبدأ في التعرف على الوجوه المألوفة من مسافات أطول.

2.2 السمع

يصبح السمع أكثر تطوراً مع بداية السنة الثانية. يستطيع الطفل تحديد مصدر الصوت بشكل أكثر دقة، كما يتعرف على الأسماء والأوامر البسيطة. كما أن الطفل يصبح قادراً على تمييز الأصوات غير المألوفة مثل صوت الحيوانات أو أصوات الأدوات المنزلية.

2.3 اللمس

في هذه المرحلة، يبدأ الطفل في استكشاف العالم بشكل أكبر باستخدام يديه وملامسته للأشياء المختلفة. تبدأ حاسة اللمس في العمل على تمييز الأشكال والملمس، مثل الخشونة أو النعومة، مما يساعده في التعرف على مختلف الأشياء المحيطة به.

2.4 التذوق والشم

تتحسن هذه الحواس بشكل ملحوظ عند الطفل مع بداية السنة الثانية من عمره. يبدأ الطفل في تفضيل أنواع معينة من الطعام ويرفض أنواعاً أخرى بناءً على تذوقه للنكهات. كما يصبح الشم أكثر تطوراً، حيث يبدأ في التفاعل مع الروائح المختلفة مثل روائح الطعام أو الأزهار.

3. النمو الحسي في مرحلة ما بعد العامين

بعد العامين، تتطور المهارات الحسية بشكل كبير، حيث يصبح الطفل قادراً على التعامل مع مجموعة واسعة من المحفزات الحسية في بيئته. هذه المرحلة تعتبر من المراحل التي يتم فيها دمج الحواس المختلفة في عملية واحدة متكاملة.

3.1 البصر

في هذه المرحلة، يصبح الطفل قادراً على تحديد التفاصيل الصغيرة في محيطه. على سبيل المثال، يمكن للطفل أن يتعرف على الأشخاص عن بعد، ويستطيع أن يلاحظ التغييرات في اللون أو الشكل بسهولة. تتطور مهارات التتبع البصري، مما يساعد الطفل في تعلم الكتابة والقراءة لاحقاً.

3.2 السمع

تبدأ حاسة السمع في الانخراط في العمليات المعقدة مثل التمييز بين النغمات الصوتية المختلفة. يستطيع الطفل الآن فهم الأوامر البسيطة مثل “تعال هنا” أو “اذهب إلى هناك”. كما أنه يبدأ في استخدام الصوت للإشارة إلى احتياجاته واهتماماته.

3.3 اللمس

تتوسع مهارات اللمس لدى الطفل بشكل أكبر، حيث يبدأ في التفريق بين الأقمشة والأشياء التي له ملمس مختلف. يُمكن للطفل في هذه المرحلة أن يكون أكثر إدراكاً للتغيرات في درجة الحرارة، سواء كان يشعر بالبرودة أو الحرارة.

3.4 التذوق والشم

تستمر حاسة التذوق والشم في التكيف مع البيئة المحيطة. يظل الطفل يفضل بعض النكهات أكثر من غيرها، وتظهر ميوله تجاه أنواع معينة من الطعام بشكل أكبر. كما أن حاسة الشم تصبح أكثر تفاعلاً مع المحيط، حيث يستطيع التمييز بين الروائح المختلفة بشكل دقيق.

4. النمو الحسي عند الأطفال في سن ما قبل المدرسة

في سن ما قبل المدرسة، يصبح النمو الحسي للأطفال أكثر تكاملاً، حيث تبدأ المهارات الحسية المختلفة في العمل مع بعضها البعض بشكل أكثر تعقيداً. يصبح الأطفال في هذه المرحلة أكثر قدرة على فهم وتحليل ما يحدث حولهم باستخدام حواسهم، ويزداد تفاعلهم مع العالم المحيط بهم.

4.1 البصر

يتقن الأطفال في هذه المرحلة التمييز بين الألوان والأشكال والتفاصيل الدقيقة. كما يبدأ الأطفال في تحسين التنسيق بين العينين واليدين، مما يسهل عليهم أداء الأنشطة التي تتطلب دقة، مثل الرسم أو بناء الأشياء.

4.2 السمع

في سن ما قبل المدرسة، يصبح الأطفال أكثر قدرة على فهم وتحليل الأصوات المختلفة. يستطيع الأطفال التمييز بين الأصوات في البيئة المحيطة، ويفهمون بشكل أفضل المعاني التي تحملها هذه الأصوات، مما يساهم في تطوير مهاراتهم اللغوية.

4.3 اللمس

تزداد قدرة الأطفال على التفاعل مع الأشياء التي من حولهم، وتصبح أيديهم أكثر تنسيقاً ودقة في التعامل مع الأدوات والمواد المختلفة. تبدأ حاسة اللمس في أداء دور كبير في الألعاب والأنشطة التي تستدعي اللمس، مثل اللعب بالطين أو بناء الأبراج.

4.4 التذوق والشم

يتعلم الأطفال في هذه المرحلة تفضيلاتهم الغذائية بشكل أكبر، ويبدأون في رفض بعض الأطعمة أو البحث عن أخرى بناءً على تذوقهم الشخصي. حاسة الشم تصبح أكثر قدرة على تحديد الروائح المختلفة التي تؤثر في الأطفال في هذه المرحلة.

5. الخاتمة

تعتبر المهارات الحسية من الأسس التي يعتمد عليها الطفل في تطوره المعرفي والاجتماعي. هذه المهارات تتطور بشكل تدريجي وتعكس التفاعل المتبادل بين الطفل وبيئته. من خلال المراحل المختلفة للنمو الحسي، نلاحظ كيف تساهم الحواس في تحسين قدرة الطفل على التفاعل مع العالم، مما يدعم تطوره الذهني والجسدي والنفسي.